هذي الدنيا مو فرندقس ..!

السبت، 28 يوليو 2018





قبل فترة اتبعت حمية غذائية وقت وجباتي فيها كان مختلف عن وجبة العائلة، فوقت أكلي كنت أقضيه وحيدة ومرات يشاركني أحمد. أحمد هو ولد أخوي ووقتها كان عمره سنتين تقريبًا وأغلب الكلمات اللي تغادر فمه ما كانت مفهومة. أحمد يحب الذرة وكان وما يزال في بعض الأحيان يسميها: "أدو". 




يوم من الأيام حضّرت عشاي وأخذته للصالة، قدامي صينية العشاء فيها صحن سلطة بمجموعة منوعة من الخضار الطازجة وحبوب الذرة، وصحن ثاني فيه ساندوتش. بمجرد ما استقريت والصينية قدامي، جاء أحمد وجلس مقابلي وبكل هدوء يتفحص ايش عشاي، وبعد ما أنهى فحص اللذائذ أعطاني نظرة جديّة وقال: "أمّة، أدو" ولغير الناطقين بلغة أحمد: "عمّة، أبي ذرة"


استجبت لطلب أحمد وطلعت له حبتين ذرة في الملعقة وأعطيته، وفي غضون ثواني.. رجع أحمد: "أمّة، أدو". تكرر طلب أحمد مرتين وثلاث وأربعة، إلى ما أنتهت حبات الذرة في السلطة -بالعافية عليه-!

وقت ما كنت أناول أحمد الذرة وأجمعها مجتهدة من صحن السلطة، ابتسمت لا شعوريًا وأنا جالسة استجيب لطلبه بدون أي تردد لأنه عارف وش يبي بالضبط ولأن ما فيه مجال ألعب عليه وأقول خلصت والصحن مليان

لو أحمد جلس قدامي و أعطاني نظرة الشفقة اللي يستخدمها كثير من الأطفال وتحمل رسالة: "أبي آكل معك" كان ممكن أسكته بشريحة خيار أو جزر أو قطعة خس، لكن أحمد كان عارف وش يبي بالضبط وما تردد دقيقة في إنه يطلب بكل وضوح وبصورة مباشرة لا تحتمل التخمين، "أمّة، أدو"!

كم مرة كنت عارف أيش تبي بالضبط وتحرجت من إنك تطلبه؟ وغالبًا سبب الحرج غير مبرر ولا يستحق التفكير أصلا، والفائدة العائدة أكبر بكثير من حرج قد يستمر دقائق إلى أيام وأكيد بيُنسى بعدها! 
كم مرة طلبت ولكن طلبك ما كان نفس اللي في خاطرك والنتيجة في الغالب معروفة: "يا حسافة، ليتني على الأقل جربت"! 

تعلمنا وحنا صغار إن الجزاء من جنس العمل، ولما كبرنا صرنا نسمع هذي الدنيا فرندقس تزرع فول يطلع عدس

هل فيه مبرر أو منطق يخلي الفول يصير عدس أصلًا؟  خلونا نجرب نقرب المثل للواقع شوي: ممكن تزرع فول ما يلقى الظروف المناسبة اللي تخليه يطلع فول بالجودة المطلوبة لكنه بيطلع فول، وممكن تتسخر ظروف ما كانت في البال ويطلع أفضل من اللي مكتوب على علبة البذور! لكن الفول فول ! 

 راجع في عقلك الأهداف اللي تتمنى إنك تحققها في حياتك، الوظيفة اللي ودك تشتغلها، الشخص اللي تتمنى ترتبط في،  وراجع أيش سويت بالضبط عشان يتحقق هذا الهدف - أفضل من كلمة حلم بما إنه قابل للتطبيق-.

  • هل مستوى العمل اللي جالس أسويه يتناسب مع الهدف اللي أبي أحققه؟ 
  • أبي أنقبل في الكلية الفلانية أو أكمل دراستي العليا، هل جهزت نفسك عشان تحقق المتطلبات اللي تحتاجها عشان توصل فعلًا لهذا الهدف؟
  • أبي أنزل وزني ٢٠ كيلو، هل التزمت بحمية مناسبة ومارست الرياضة وراجعت الطبيب؟ وإلا في ٣ أيام تتوقع إنك بتنزل حق ٣ أو ٤ شهور؟ 
  • هل أنا جالس أبذل جهد في هذه العلاقة عشان تنجح وإلا انتظر من الطرف الثاني يسوي كل شي؟ 
الله سبحانه وتعالى في أغلب معجزاته للأنبياء كان يطلب منهم في المقابل تنفيذ مهام لتحقيق المعجزة! 
نوح عليه السلام جلس يبني الفلك سنة كاملة إلى ما أمر الله بفيضان التنور. 
موسى عليه السلام أُمر بأن يخرج يده من جيبه وفي المرة الثانية أُمر أن يلقي عصاه وفي المرة الثالثة أمره عز وجل يضرب البحر بعصاه. 

مو دائمًا سهل تحقيق أهدافنا، وعلى حجم الهدف يكون التعب، وفي حال ما تحقق الهدف فأنت في مرحلة قريبة منه أو أفضل منه بشكل قد لا يتضح لك إلا في المستقبل القريب. مشكلتنا ننظر للهدف شي بعيد جدًا وما نشوف إلا هو قدامنا، ولا ننتبه لمستوى التحسن والتغير الإيجابي اللي يصير خلال الرحلة.

أمي دائمًا تقول: الله ما يضيع تعب أحد، وجملتها المفضلة الثانية: الحكي بالحكي والبِل بالدراهم! 

كلنا ودنا وكلنا نتمنى وكلنا نبي! لكن مين اللي فعلًا جالس يسوي شي في المقابل ويزرع الفول وينتظر يحصده؟


هناك تعليق واحد:

  1. كلامك ع الجرح.. انا اعاني كثيـــر خصوصا من يوم ماجيت الرياض!
    تعبت وانا اقدم على كل شي جامعات سواء وظيفة او دراسات و ما انقبل مع اني مطابقة لجميع الشروط!
    In a perfect world, I would be where I want to be! Sadly, we don't live in a perfect world.
    انا جدا محبطه من هذا الشي، لكن ما باليد حيلة :(

    ردحذف